معيار الربح والخسارة والنجاح والفشل عند السياسي يختلف عن معياره عند غيره.
فالتاجر يقيس ربحه وخسارته بالدينار والدولار.
والأكاديمي يقيس الربح والخسارة بالشهادات والدرجات العلمية.
والرياضي يقيس الربح والخسارة بالميداليات والألقاب والكؤوس.
وأصحاب التخصصات يقيس كل واحد منهم ربحه وخسارته بما يناسب تخصصه.
وكذلك السياسي؛ له معاييره الخاصة التي يقيس بها الربح والخسارة ويختلف ترتيبها من شخص لآخر- وأهم هذه المعايير :
– تأييد الناس له واقتناعهم بطرحه الذي يطرحه؛ فكلما زاد عدد مؤيديه كلما اعتبر ذلك ربحاً له.
– مدى تمكنه من الحكم؛ فكلما ازداد تأثيره على القرار في الدولة اعتبر ذلك نجاحاً.
– تحقق مشروعه على الأرض -إن كان لديه مشروع يسعى لتحقيقه- فكل إنجاز في هذا المشروع يصنف على أنه نجاح له.
– الالتزام بالقيم والمبادئ التي انطلق منها؛ فالسياسي صاحب المبادئ والقيم يرى أن بقاءه متمسكا بمبادئه هو أيضا من المكاسب وتخليه أو ابتعاده عنها يعد نوعا من الخسارة.
غالبا ما تكون هذه هي المعايير التي يستخدمها السياسيون مع تغيرها من بيئة لأخرى بحسب خصوصية كل بيئة وحسب طبيعة الفئات السياسية العاملة فيها.
وهذه المعايير مستقلة عن بعضها فقد يكسب بإحداها مع خسارته في الباقي لكن النجاح في بعضها قد يؤدي للنجاح في الأخرى والعكس كذلك.
أما من يخوض غمار السياسة ويزعم أنه من السياسيين وهو في نفس الوقت يقيس ربحه وخسارته بالمال أو الجاه الاجتماعي أو بالمصالح الشخصية أو الفئوية الضيقة ( كالعائلة والقبيلة ) فهذا ليس سياسيا مهما تقلد من مناصب .
في ليبيا والدول التي تشبه ليبيا أغلب المحسوبين على الطبقة السياسية من هذا النوع. لهذا انفض الناس عنهم وكرهوهم، وفقدوا الثقة فيهم ورغبوا في الانتقام منهم.
في دول العالم المتقدم يختلف السياسيون مع بعضهم ويختلف الناس تبعا لهم لكن شعوبهم تظل متمسكة بهم لأنهم قيادات حقيقية. ولكل منهم مؤيدوه الذين قدموه عليهم ليحقق لهم مصالحهم ومصالح أبنائهم، لا ليسرق أو يختلس أو ليوزع المناصب على أفراد عائلته أو قبيلته أو جماعته.
السبب في كثرة هذا النوع المتطفل على السياسة في ليبيا هو كون البيئة السياسية بيئة فاسدة أو مهيأة للفساد مما جعل كثير من اللصوص والمجرمين يرون فيها مغنما لهم ويتنافسون عليها بشدة ويستبيحون كل الطرق والأساليب في سبيل الوصول للكراسي والخزائن والأختام والصكوك.
وتغيير المشهد والخروج من هذه الحالة الفوضوية بيد المواطن لا بيد غيره. وهو يتلخص في ثلاث خطوات:
– الخطوة الأولى : معرفة الفرق بين السياسيين وبين المتطفلين على السياسة بحسب المعايير التي ذكرناها.
-الخطوة الثانية : تصنيف السياسيين إلى ثلاث فئات:
1-مصلحين – وإن اختلفوا في طرحهم -.
2- مفسدين.
3- سياسيين بلا مشاريع.
-الخطوة الثالثة : تأييد السياسيين المصلحين والمساهمة في نجاح مشاريعهم.
وبذلك يرجع الصراع في الساحة السياسية بين مشاريع كلها تسعى لصالح الوطن والمواطن مع اختلافها في الطرح الذي تطرحه.
وأخيرا : لابد ان يترسخ عند الجميع بأن إصلاح المشهد السياسي وتطهيره وتنقيته هي مهمة المواطن ومسؤوليته ولا يحق له التهرب منها وإلقاء اللوم على غيره. فلا الأمم المتحدة ولا غيرها يهتم بصلاح المسؤولين وصلاحيتهم مادام هؤلاء المسؤولون يرضون الدول الكبرى أو ما اصطلح على تسميته بالمجتمع الدولي.
#بريد_الصفحة