الناس في قناعاتهم السياسية على ثلاثة أصناف:
– صنف يراها عبارة عن قيم ومبادئ ثابتة لا يجوز التخلي عن شيء منها أو المداهنة على حسابها.
– صنف آخر وهو الأكثر عددا يرى السياسة بلا ثوابت، بل كلها متغيرات تحكمها المصالح.
– وصنف يراها عبارة عن ثوابت ومتغيرات فالثوابت ما لايمكن التخلي عنه بأي حال، وهو غير مطروح للمساومات والتفاوض، والمتغيرات هي التي تحكمها المصلحة وترجيح أحداها على غيرها واختيارها والأخذ بها لا يؤثر على الثوابت ولا يقدح فيها.
والثوابت في السياسة ليست مرتبطة بكونها حق أو باطل.
فأحيانا تكون الثوابت مخالفة للدين والأخلاق ولكنها عند صاحبها ثوابت لا يمكن المساومة عليها أو التنازل عنها.
فمن جعل قناعاته كلها ثوابت بقي حبيس أفكاره واختياراته ولا يمكنه التكيف مع متغيرات المكان والزمان والظروف المحيطة. وبذلك لن تتحقق على يديه مصلحة الناس الذين يريد ان يسوسهم.
وهو بهذا قد يرضي نفسه بالتزامه بثوابته التي خطها لنفسه لكن هذا لا يصلح أن يكون سياسيا، فالسياسة فعل متعدٍّ يمس مصالح الناس وحياتهم ومعيار النجاح والفشل فيه هو تحقيق هذه المصالح.
ومن كان من النوع الذي جعل قناعاته كلها قابلة للتغيير وجد نفسه أداة من أدوات اللاعبين – أصحاب الثوابت – ولن يستطيع تحقيق أي هدف إلا الوصول لمنصب ما في وقت ما تحت ظرف ما وسيكون بقاؤه في ذلك المنصب لأجل تحقيق مصالح أطراف سياسية قد يعرفها وقد لا يعرفها.
أما الصنف الثالث – الذي يعرف ما هو الثابت وما هو المتغير – فهو الذي يكتب التاريخ، وهو الذي يصنع الحدث غالبا أو يستثمره، وهو الذي يحقق النجاحات في مشاريعه، وهو القادر على التكيف مع المتغيرات السياسية دون أن يخسر قاعدته الشعبية.
وأصحاب الثوابت غالباً هم الأكثر عرضةً للضغوطات من غيرهم وهم الأكثر عرضة للتشويه والحرب الإعلامية لأن ثوابتهم عادة ما تتصادم مع ثوابت أطراف أخرى، أو تتصادم مع مصالح أطراف أخرى تراهم معيقا ومعرقلا لها عن تحقيق أهدافها.

#بريد_الصفحة