إذا نظرت إلى رجال المصالحة في بلادنا وجدتهم صنفين:

صنف يعي ما يفعل، ويعرف ماذا يريد؟ ولماذا يريده؟ وكيف يصل إليه؟.

وصنف يعرف أنه يريد المصالح، لكنه لا يعرف كيف؟ بل لا يعرف حتى لماذا يريدها؟.

– النوع الأول لا نريد أن نتكلم عنه إلا بالإشادة بدورهم ونعلن أننا مؤيدون لجهودهم وأننا مستعدون لمد أيدينا لهم ومعهم فهم الدواء والبلسم الذي ستلتئم به الجراح وتطيب به النفوس وتوأد به الفتن.

– أما النوع الثاني فإنني شخصيا أشفق عليهم، وأتأسف على حالهم، فأنا أعرف الكثير منهم، ممن طابت نيته، وخلص مقصده، وهو قد سخر نفسه وجهده ووقته وماله للمصالحة. يبذل الغالي والنفيس، ويستسهل المشقة، ولا يبتغي بذلك إلا وجه الله، ويريد أن يرى وطنه بلا مشاكل ولا حروب ولا نزاعات.
حلمه حقن الدماء، وجمع الفرقاء، والتأليف بين الخصوم والأعداء.
يكره الحديث عن السلاح، ولايحب سماع صوته، ولا يريد أن يراه في أيدي الشباب ليقينه بأن وجود السلاح بهذا الشكل مدعاة لاختلاق المشاكل والمعارك والتدافع.
لكن للأسف ..
هذا النوع النقي الطيب من البشر قد يصبح من أكثر الأدوات إفسادا وفتكا بالمجتمع.
قد يكون آفة تضر النسيج الاجتماعي وتهتكه وتمزقه بسبب غبائها النابع من طيبتها، وسذاجتها الملازمة لنقاوتها ووداعتها.
علَّة هذا النوع أنه لا يعرف الطريق الصحيح للمصالحة، ويضع نفسه في غير موضعها.
لا يُحق حقا ولا يُبطل باطلا، بل يتغاضى عن الحقوق بحجة طيِّ صفحة الماضي ونسيان الأحقاد.
يخاطب المظلوم كما يخاطب الظالم، ويسعى في خدمة أجندات ضارة بالوطن وهو لا يعلم، وأنى له أن يعلم وهو لا يسمع إلا ما يريد ولا يفهم إلا ما يوافق هواه التصالحي التسالمي.
يستدعيه الظالم ويقول له: بأنه يريد التصالح وأن المظلوم يرفض. فينطلق هذا المسكين كالسهم يستدمع المجالس بكلماته العاطفية المؤثرة وخطبه المزلزلة، ويحشد الناس ليقنعوا المظلوم صاحب الحق بأن يستجيب لنداء الصلح فـ(الصلح خير)! ويسوقون لذلك الأدلة والبراهين الشرعية والعقلية. فإن رفض صاحب الحق – المظلوم – التنازل عن حقه صار عندهم ظالما ومفسدا، ولا يريد استقرار البلد، ويجب مقاطعته وإقصاءه وتهميشه، وعدم الالتفات إليه .. وعلى الجميع السير في طريق الوئام والسلام بدونه.

هذا الصنف الطيب من الناس لا يعلمون أنهم مجرد أدوات في أيدي المجرمين. فمهما كان معدنهم طيبا هم أدوات جريمة.
يوسِّعون على الظالم والمفسد ويفتحون له المجال ليزيد في ظلمه وإفساده دون قصدٍ منهم.

هم تماما كخناجر ذهبية في أيادي المجرمين والسفاحين، يزهقون بها الأرواح ويسفكون بها الدماء. فكونها من معدن ثمين لا يعفيها من اعتبارها أداة للجريمة.

#بريد_الصفحة